• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

للقلوب الرقيقة "خواطر وتأملات إيمانية"

للقلوب الرقيقة خواطر وتأملات إيمانية
أم محمد عياطي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/9/2023 ميلادي - 11/3/1445 هجري

الزيارات: 5147

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

للقلوب الرقيقة

"خواطر وتأملات إيمانية"

 

إذا قَسَتِ القلوب، وجفَّت المآقي، واخشوشنت الألسنة، وغلُظت الطِّباع، فابحث عن حالك في القرب من الله، وتعوَّذ من الهِجران؛ ففي قُرْبِهِ شفافية للروح، ونفحة للقلب، ونور للفكر.

 

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لك الحمد أنْ حبَّبتَ إلينا الإيمان، وزيَّنته في قلوبنا، لك الحمد لأنك القيُّوم على قلوبنا وعيوننا، لك الحمد لأنك تعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فلا نحتاج للغة باهرة، ولا لفصاحة بالغة كي نخبرك، ونشرح لك، ونوضح، ونفصِّل ما في قلوبنا، أنت أقرب من قلوبنا منا، أنت صانعها وعالمها وخبير بها؛ فامْنُنْ علينا ألَّا تخفِق بحبٍّ إلا لك، وبك، ومنك، وإليك، لا تُسَرُّ إلا بما تُحِب، ولا تحزن إلا لِما تكره، يا ألله رقِّق قلوبنا لتخشع بذكرك، رقِّقها لتنْعَمَ بحبِّك، رقِّقها حتى لا طاقة لها في البعد عنك، فلا تأنَس إلا بقربك، ولا تسعد إلا بوصلك، ولا تسكن إلا برضاك عنها يا رب العالمين، اللهم إنك من رزقته رقَّة القلب، فقد رزقته نعيم الدنيا والآخرة، فيا مَن تَحُول بين المرء وقلبه، حُلْ بيننا وبين مُلهيَّات القلوب عنك، ويا مَن تُثبِّت القلوب ثبِّت قلوبنا على مرضاتك، اللهم آمين.

 

للقلوب الرقيقة:

من منا ليس له قلب؟ كل الناس لها قلوب، وهل يعيش من ليس له قلب؟ وهل يكفي أن يكون الإنسان له قلب حتى يعيش، أم لا بد لهذا القلب من شرط السعادة ليعيش مولاه حياته؟ وهل يخطب الإنسان أي حياة؟ كلا فشتَّان بين حياة وحياة، وقد نتساءل: هل القلب مولى صاحبه، أم أن صاحبه هو مولاه؟ ومَن منهما عليه إسعاد الثاني؟

 

ما أشقى القلب وصاحبه إن لم يتبصَّر الاثنان سُبُلَ السعادة، وأخفقا في الوصول إليها، وهيهات أن يقْدِرَ أحدٌ على النَّيلِ من صاحب القلب المطمئنِّ السعيد المشروح، حتى يقول: "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رُحْتُ فهي معي لا تفارقني"؛ [ابن تيمية].

 

هذا العضو الصغير الحجم، العظيم الشأن، الواسع الإدراك - هو سر صاحبه، ولا يستطيع أي إنسان وكيفما كانت مكانته عظيمة في القلب، ومهما استقر وسكن في سويدائه - أن يطَّلِعَ أو يكتشف سرَّ قلبٍ سكنه، أو شُغِف به، أو يكون له سلطان عليه، فيقلِّبه كيف يشاء، ومتى شاء، ولمن شاء، إلا خالق القلب ومالك القلب؛ ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]، وكأني بالشاعر يناجي ربه فيقول: (إن قلت خُذِ القلب يقُل لي عجبي، القلب لنا فهاتِ من عندك شيء)، ذلك هو القلب الذي لا يبصر خَلَجَاتِه إلا الله، ((والتقوى ها هنا))؛ إشارة إلى القلب، فسبحان اللطيف! وضع السر بيننا وبينه في ألطف ما نملك؛ وهو القلب، فمَن أقرب للقلب من محيي القلب؟ ومن أقرب للحب غير مالك موضع الحب، وصانع الحب، بل هو من سبقنا إليه في الحب؛ ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]؟

 

هو االله، هو الله، وهل للروح إلاه؟ قريب ليس يتركني إذا ما قلت: أوَّاه.

 

أو بعد هذا لا يرف القلب، ولا يرق ولا يحن، ولا يحب ولا يتشقق، ولا ينشق ولا ينهمل بالرحمة والود والعبق، ويتدفق، فأين أنت يا رقيق القلب؟

 

يا أيها القلب العميق حنينه
قد حار في قساة القلب المنطقُ

فبُشراك يا رقيق القلب، فموعدك الجنة، يا هين لين: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرُم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل))؛ [رواه الترمذي].

 

وأبْشِرْ يا رقيق القلب رفيقه بنيل مرادك وعدًا من الله لك: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه))؛ [رواه مسلم].

 

أبشر يا رقيق القلب ورحيمه برحمات الله التي ستتنزل عليك؛ ((الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى))؛ [رواه أبو داود].

 

أين أنت يا رقيق القلب؟ هل أجدك بين هؤلاء؟ عُدْ للوراء قليلًا، تذكَّر معي جيدًا، ذات يوم في الماضي البعيد وربما القريب جدًّا، كنت وحدك، أجَل، لا أحدَ يرقُبك إلا الرقيب سبحانه، وحدث أن تأملت في أي شيء فشعرت بضعفك وبقدرة الله عليك، أو نظرت إلى أي شيء فتذكرت قدرة الصانع البارع، أو حتى مَرَّ في خاطرك خاطرٌ من ذنب فتحسرت وتألمت، أو خاطر من خبيئة صنعتَها لوجه الله خالصة، ولم تُحدِّث بها بشرًا، أجَل، تذكرت شيئًا من هذا أو ذاك أو تذكرت أمرًا آخر، لكن في كل الحالات، ذكرت الله في خلوتك تلك، خائفًا أو خاشعًا أو وجِلًا، فدمعت عيناك من خشية الله، إن حدث ذلك، إذًا أنت منهم، فيا بُشراك؛ فأنت من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظلُّه: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجل دَعَتْهُ امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))؛ [متفق عليه].

 

وهل أنت من هؤلاء؟

 

يا صاحب القلب الرقيق، هل تحسست قلبك يومًا عند تلاوة القرآن، هل انتابك شعور ما، اعترى قلبك؟ هل تجاوبت وانسجمت مع تلك المشاعر حتى بكيت أو تباكيت؟

 

إذا اشتبكت دموع في خدودٍ
تبيَّن من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب شوقًا
وينطق بالهوى من قد تباكى

 

بُشْراك إذا بكيت، فقد أنعم الله عليك: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].

 

وأما إذا تباكيت، كذلك بشراك؛ فقد عمِلت بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: ((إن هذا نزل بحزن وكآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكَوا)).

 

وكيف لا يرف طَرْفُك، وتهفو روحك لكلمات الله؛ فليس بعد حسن حديث رب الجلالة من حُسْنٍ، وليس بعد مذاق حلاه من مذاق أحلى فيحلو، وبعد مسمعه من مسمع يجلو، وبعد أنسه من أنيس يؤنس فيرنو: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]؟

 

وهل حالك يكون كمن قال:

تفيض عيوني بالدموع السواكبِ
وما لي لا أبكي على خير ذاهبِ
على كم ذنوب كم عيوب وزلة
وسيئة مخشيَّة في العواقبِ
على أنني قد أذكر الله خالقي
بغير حضور لازم ومصاحبِ
أصلي الصلاة الخمس والقلب جائل
بأودية الأفكار من كل جانبِ

 

وإذا لم تجد في قلبك كل تلك المعاني، فابحث عن قلبك قد تكون بدونه ولا تدري: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

 

ويا صاحب القلب الرقيق، هل أنت من هؤلاء؟

 

أمِن الذين يرتاحون بالصلاة وفي الصلاة: ((أرحنا بها يا بلال))؟ أمن الذين يُسْبِغون الوضوء وينتظرون الصلاة بعد الصلاة؟ إن كنت منهم، فأبْشِرْ برفع الدرجات، وزيادة الحسنات: ((ألَا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط))؛ [رواه مسلم].

 

وهل أنت ممن يخشعون في صلاتهم، ويستحضرون قلوبهم؟ إذًا قد ملكت سرَّ الفلاح والتوفيق والصلاح: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

 

لا، لا تكتفي بهذا المفتاح عند الكريم، فهناك مفاتيح كثيرة للفلاح؛ فالكريم إذا أعطى أدهش، هذه مفاتيح ليست للفلاح فحسب، بل الفردوس ستمنحها: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 2 - 11].

 

يا رقيق القلب لا تنسَ صلاتك، وكيف تنساها؟ هل تستطيع نسيان نفسك؟ إن كنت تذكر نفسك، فمن المؤكد أنك تحبها وتود إسعادها، إذًا هذا هو الطريق، فلا سعادة لها في المنأى عن مولاها، إن نفسك يا رقيق القلب تَتُوقُ لخالقها، لمحادثته، للتواصل معه، للخلوة به، للانقطاع إليه، تستشف منه الأمان، والسلام، والسكن، والاطمئنان، فإن حرمتها الصلاة في موعدها قد حرمتها موعدًا مع الراحة، موعدًا مع الأمل، موعدًا مع البشرى، موعدًا مع السعادة، تلطَّف بروحك يا رقيق القلب، ولا تقسُ عليها فتشقى، وتتوجع، وتتأوَّه، أنصِتْ لها جيدًا، ستسمع لهفتها عند الأذان للقاء، وتسمع خفقانها لتلبية النداء، ذلك موعد مددها لتتسع فرحتها، فقد ضاقت بها فرحة الأرض، تبغي الارتقاء لفرحة السماء، تلك الفرحة التي لا تحتويها إلا عند الصلاة، فأطلق لها العِنان لتتملص من خِناق الحياة، فالصلاة يا رقيق القلب مناشدة للكمال، وسموٍّ للمعالي، واستشعار للجمال، كيف لا وهي لقاء مع ذي الجلال والإكرام؟ فهلُمَّ يا رقيق القلب لقوت القلوب ونعيمها ورضاها: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

يا رقيق القلب، هل قرأت قرآنك؟ هل عرفت كلماته؟ هل غرفت من طيباته؟ هل تذوقت حلاوته؟ أجَل، ذلك هو قرآنك، انهَلْ واستعذب واستروِ، صدقًا سترتاح وتطمئن وتطلب، لن تستطيع ألَّا تطلب أكثر، الكثير من النور، والكثير من الحبور، ستطلبه وسيحضر، والكثير من التِّيه والشَّتات سيضمَحِلُّ ويذهب، هناك ستلتقي بنفسك التي طالما أعياك البحث عنها، فأفلتت منك، وهنا في حروف قرآنك حطَّت الرِّحال، أجل، ليتك بحثت عنها منذ زمن بعيد لالتقيتها، ويا لها من لُقيا! فيا هَناك بها، ستجدها بصيرة قريرة، لا تُفْلِتْها مرة أخرى، وتبحث عنها في غير منابع النور، إن نفسك يا رقيق القلب تأبى الوَحْشَةَ والظلام، فترحَّم ودَعْ قلبك يبحر في كلمات ربي، ويستأنس ويستشفي، ولا تخشَ؛ فلن ينضَب مَورِدُ الحب والقرب، فاقرأ قرآنك تزود، كرر وتفكَّر: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

 

يا رقيق القلب، اذكر وتذكَّر، يا محبًّا لله، كم من مرة في نهار تتذكر مُحِبَّك؟ أفي كل ساعة، أم في كل لحظة، أم في كل خطرة، أم في كل طرفة؟ كم تذكرته؟ هل تتذكر؟ كم؟ هل تتذكره بقدر حبك له؟ كم حبك عندك؟ ألَا تسطيع تقديره ولا إحصاءه، أعذرك لأنك تتحدث عن حب الله، ربما تقول: أحبه بقدر كماله وكما يليق بجلاله، ما زالت تخونك العبارة، وتفر من فيك التعابير، لا تبتئس، إنك المخلوق وهو الخالق، إنك المحكوم وهو الحاكم، هو الله، يكفي أنه الله، مَن خَلَقَ، ورَزَقَ، وتلطف، وأعطى، وعفا، وأحْسَنَ، وتفضَّل، هل تكفي العبارة لوصف حبِّه؟ ذلك حب لا يُوصَف، هو حب يتنفس به ويحيا به، حبه ليس سرًّا، بل التصريح به مباح، لكنه أعمق وأدق من السر، نَفَسُه قد يكون حب الله، هو سر الحب ذاته، وسر كل حب في ذاته، ويظل حب الله هو مدد الحب، ومدد لكل حب.

 

يا رقيق القلب، اذكر الله وتذكر، اذكر الله يذكرك، اذكره في خلوتك، إن المحب إذا خلا تذكر، اذكره في جمعك، إن المحب إذا ما اجتمع، استطاب ذكر محبه، فاستذكر، اذكره في كل حين، وفي كل آنٍ، يُسْعِدك ويحرسك ويحبك، أليس ذلك مبتغاك؟ إن المحب بحبِّ من يحب سعيد: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

 

يا رقيق القلب، تضرَّع لله، يا رقيق القلب، كم آلمتك الحياة! وكم كلمتك الكربات! وكم استباحت راحتك الهموم! وكم حاولت مرارًا تهوينها فلم تَهُن ولم تزُل! كم أرَّقك ظلم ظالم، أو دَين دائن، أو غدر خائن! وكم طرقتَ الأبواب تستجدي حلًّا عند قريب أو حبيب، أو حتى عند بعيد وغريب، أحدهم لا يقدر، وآخر يقدر ولا يرغب، وآخر يكتفي بالنظر والتشمت، وتساءلت كثيرًا: لمن أذهب يا رب؟ لمن أذهب؟ هل عرفت الآن لمن تذهب، ومن تطلب، وبمن تستجير وأي باب تطرق؟!

 

إليه، طبعًا إليه هو فقط، لِبابِهِ الذي لا يُغلَق، ومن في ساحته لا يُطرَد، وهو يقدر، ويعطي، ويهب، بل يواسي وعلى قلبك يُرَبِّت، هل عرفته؟ أجل، هو الله، لا ينساك ولا يقلاك، هو القريب المجيب، ماذا تنتظر؟ ادعُهُ، لا تخشَ الانكسار بين يديه، لن تقوم إلا مجبورًا، لا تخشَ البكاء بين يديه لن تقوم إلا قريرًا، لا تخشَ، مُدَّ يديك إليه؛ لن تقوم إلا ميسورًا مسرورًا، لا عليك، فقط تضرَّع إليه، بُحْ بما لديك، اطرح كل أوجاعك، واشكُ كل همومك، وأبْشِرْ، أبْشِرْ بالفَرَج، بالسكينة، ببهجة قلبك، بجَبْرِ خاطرك، فهو يرمم كسرك، ويداوي جرحك، سيمنح ويعفو ويحسن؛ إنه الله، القوي، القدير، الرحيم، الكريم، كيف تهتمُّ والله ربك الأكرم؟ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

يا رقيق القلب، هل اخترتَ رفيقك وصديقك؟ أتدري من الرفيق والصديق؟ من إذا ضحِكتَ فرِح، وإذا بكيت حزِن، وإن أكلت شبِع، وإذا شرِبت ارتوى، لا ليس ذلك فحسب، بل هناك أهم من هذا وذاك، أتدري من رفيقك وصديقك؟ هو من إذا عصيت الله، خشِيَ عليك من غضبه، وإذا تهاونت في صلاتك، خشِيَ عليك من فواتها، وإذا فرطت في طاعتك، دلَّك، وإذا سعيت لمكرُمة، اصطحبك، وإذا بادرت لمثوبة، عجَّلك، هو ذاك الذي يسير بك ومعك للجنة؛ ذاك التقي، النقي، الذي يخشى عليك عبْءَ المسير، والزاد اليسير، فيا رقيق القلب، اختَرْ صاحبك، لا تَهَبْ قلبك من لا يمكنه أن يَهَبَك للجنة: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].

 

يا رقيق القلب، هل تذوقت كلامك؟ هل خطر في بالك يومًا أن تتذوق كلامك قبل لفظه؟ ما بالك تتذوق الطعام قبل بلعه؟ أتستثني نفسك عن الآخرين؟ طعامك ستهضمه أنت، وكلامك سيهضمه الآخرون، كما تتذوق وتستسيغ ما يدخل فيك، تذوق واسْتَسِغْ ما يخرج من فيك، آه لو علمت عُسْرَ هضم بعض الكلام في الأنفس، لأشفقتَ على هاضمها، بعض من كلمات قد تُوجِع وتُؤلِم، وحتى تقتل، إن من الكلام لَبلسمًا يُستشفى به، وإن منه لَسقام يُطبَّب منه، وشتَّان شتَّان بين من يلفِظ دواء ومن يلفظ داء، فيا رقيق القلب تريَّث، رفقًا، كم من كلمة طيبة أيْنَعَت وأثمرت، وكنت أنت من ذاق طيبها! وكم من كلمة خبيثة جرحت فأوجعت، وكنت أنت من زرع شوكها! يا رقيق القلب، تخيَّر كلماتك، هي نتاج ما فيك، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 25 - 27].

 

النهاية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذَف في النار))؛ [رواه مسلم والبخاري].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات إيمانية في رحاب خواتيم سورة القصص
  • تأملات إيمانية في الحج وشعائره (1)
  • تأملات إيمانية في الحج وشعائره (2)
  • تأملات إيمانية في اسم الودود (خطبة)
  • خواطر وصور
  • خواطر في الشعر العربي
  • خواطر في محبة الله عز وجل
  • خواطر مسلم
  • مراقبة الخواطر سبيل السعادة والفوز والنعيم

مختارات من الشبكة

  • قلوب قلبها مقلب القلوب فأسلمت واهتدت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب (3) القلب الراضي (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب(11) تأثر القلوب الحية بمواقف اليهود العدوانية(1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خواطر قلب: أحداث كورونا 2020 (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • دع القلق واهنأ بشهر الصيام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب (10) القلب المتذكر المعتبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من خواطر معلم لغة عربية (8)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من خواطر معلم لغة عربية (7)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من الدرر البازية: رقائق ومواعظ للقلوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رعاية المشاعر ومجانبة كسر القلوب والخواطر(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب